في خطوة علمية هائلة، تمكن العلماء من تحقيق اختراق كبير في مجال فيزياء الكم من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف طريقة أبسط لتحقيق التشابك الكمومي، وهي ظاهرة وصفها ألبرت أينشتاين بأنها "تأثير مخيف عن بعد". هذا الاكتشاف يقترب بنا أكثر من تحقيق الإنترنت الكمومي ووسائل الاتصال فائقة الأمان، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال الاتصالات والحوسبة الكمومية.

نشرت الدراسة في مجلة "Physical Review Letters"، حيث استخدم الباحثون شبكة عصبية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل تجارب فيزياء الكم البصرية. بدلاً من مجرد تكرار الطرق التقليدية لتحقيق التشابك الكمومي، ابتكر الذكاء الاصطناعي تقنية جديدة وأبسط لإنشاء روابط كمومية بين الجسيمات. هذه الاكتشافات قد تسهم بشكل كبير في تبسيط الطرق التي يستخدمها العلماء في توليد التشابك الكمومي، الذي يُعتبر أحد الأبعاد الأساسية للتكنولوجيا الكمومية.

التشابك الكمومي هو خاصية غريبة ولكنها أساسية في ميكانيكا الكم، حيث يصبح جزيئان مرتبطين بشكل فوري، مما يتيح لهما تبادل المعلومات الكمومية بغض النظر عن المسافة بينهما. هذه الظاهرة هي الأساس الذي يقوم عليه الحوسبة الكمومية، والاتصالات فائقة الأمان، و"الإنترنت الكمومي" المنتظر. لكن رغم أهميتها، كانت عملية تحقيق التشابك الكمومي تُعتبر عملية معقدة وحساسة، تتطلب إعدادات تجريبية دقيقة وقياسات حساسة للغاية.

تقليديًا، يتم تحقيق التشابك من خلال ما يُسمى "تبادل التشابك"، حيث يتم إنشاء زوجين من الجسيمات المتشابكة، ثم يتم إجراء قياس معين يُسمى "قياس الحالة بيل" على أحد الجسيمات من كل زوج. هذا القياس يتسبب في تشابك الجسيمات غير المقاسة، رغم أنها لم تتفاعل مباشرةً. هذه العملية معقدة وتستهلك الكثير من الموارد وتتطلب درجة عالية من السيطرة على الأنظمة الكمومية. لكن البحث الجديد المدعوم بالذكاء الاصطناعي يتحدى هذه الطريقة التقليدية، ويقترح أسلوبًا مختلفًا وأكثر كفاءة.

في هذا التجربة، استخدم الباحثون أداة الذكاء الاصطناعي "PyTheus"، وهي أداة متطورة تهدف إلى تحسين تجارب فيزياء الكم البصرية. في البداية، كان الذكاء الاصطناعي مكلفًا بإعادة إنتاج طرق التشابك المعروفة، لكنه بدلًا من ذلك اكتشف طريقة جديدة وبسيطة لإنشاء التشابك الكمومي.

قالت سوفيا فاليكورسّا، الباحثة في مجال التكنولوجيا الكمومية في "سيرن" والتي لم تشارك في الدراسة: "تمكن المؤلفون من تدريب شبكة عصبية على مجموعة من البيانات المعقدة التي تصف كيفية إعداد هذه التجارب في ظروف مختلفة، وتعلمت الشبكة في الواقع الفيزياء وراءها."
بدلاً من الحاجة إلى القياس التقليدي لحالة بيل، اكتشف الذكاء الاصطناعي أنه يمكن أن يحدث التشابك بشكل طبيعي عندما يسلك الفوتونات مسارات غير قابلة للتمييز. إذا أنتجت عدة مصادر فوتونات بطريقة تجعل أصولها غير قابلة للتمييز، يمكن أن يتشكل التشابك دون التفاعل المباشر بين الجسيمات.
في البداية، كان الباحثون متشككين في نتائج الذكاء الاصطناعي، لكن بعد اختبارات متكررة، اكتشفوا أن طريقة الذكاء الاصطناعي كانت تعمل بشكل مستمر، مما أكد أنها قد اكتشفت بالفعل طريقة أكثر كفاءة لتوليد التشابك.

يُعد التشابك الكمومي العمود الفقري للعديد من التقنيات المستقبلية، بما في ذلك التشفير الكمومي، والحوسبة الكمومية، والإنترنت الكمومي المنتظر. ورغم ذلك، فقد كان تعقيد توليد التشابك الكمومي يشكل عائقًا أمام تطبيقات هذه التقنيات في الواقع. وقد يؤدي الاكتشاف المدعوم بالذكاء الاصطناعي إلى تبسيط هذه العملية بشكل كبير، مما يجعل شبكات الكم واسعة النطاق أكثر قابلية للتطبيق.
أوضحت فاليكورسّا: "كلما اعتمدنا على تقنيات بسيطة، كلما زادت نطاق التطبيقات التي يمكننا استخدامها." وأضافت: "إمكانية بناء شبكات أكثر تعقيدًا يمكن أن تكون لها تأثير كبير على شكل الشبكات الكمومية، مما يساهم في تحسين إمكانية التواصل في مجالات أوسع."

بمعنى آخر، إذا كان من الممكن توليد التشابك الكمومي بسهولة أكبر، فإن توسيع شبكات الكم يصبح أكثر عملية. وهذا قد يؤدي إلى تطوير أنظمة اتصال فائقة السرعة وآمنة يصعب اختراقها باستخدام الحوسبة التقليدية.

بينما يعد اكتشاف طريقة الذكاء الاصطناعي مثيرًا، يبقى توسيعه لتكنولوجيا الكم التجارية تحديًا مفتوحًا. فالنظم الكمومية حساسة للغاية، والضوضاء البيئية والعيوب في الأجهزة قد تعطل عملية التشابك.
علاوة على ذلك، مع بدء الاعتماد بشكل أكبر على الاكتشافات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يدور نقاش مستمر حول دور الحدس البشري في الفيزياء. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يولد حلولًا تتجاوز ما قد يتوقعه العلماء، إلا أن هناك بعض الشكوك حول مدى موثوقيته في الإعدادات التجريبية.
كما قالت فاليكورسّا: "نحن نبحث أكثر في إدخال الذكاء الاصطناعي، لكن لا يزال هناك بعض الشكوك، وذلك بسبب التساؤل حول دور الفيزيائي بمجرد أن نبدأ في الاعتماد على هذه التقنية."


على الرغم من هذه التحديات، يمثل أسلوب التشابك الكمومي المكتشف بالذكاء الاصطناعي خطوة كبيرة نحو تبسيط تقنيات الكم، وجعلها أكثر وصولاً، وربما جاهزة للتنفيذ على نطاق واسع.